الرأي نيوز - أعلن اسطورة التنس الاسباني رافايل نادال يوم الخميس الماضي عن أن السنة المقبلة ستكون الأخيرة له في عالم اللعبة، رغم عدم ثقته من القدرة على العودة والمشاركة في البطولات الكبرى بسبب مرضه واصاباته التي نالت منه أخيراً.

تُعدّ متلازمة «مولر- فايس» التي أرهقت نادال لأكثر من 15 سنة، حالة نادرة تصيب عظام القدم وتسبّب ألماً مزمناً. وتعايش حامل لقب 22 بطولة كبرى مع أوجاعه، وغالباً ما حاول تفادي الموضوع أمام الصحافيين. لكن في العاصمة الإيطالية في أيار/مايو 2022، تطرق إلى حياته اليومية المرهقة بعيداً عن التنس وقال: «ألعب لأن هذا الشيء يجلب لي السعادة، لكن في وقت من الأوقات يأخذ الألم هذه السعادة منك، ليس فقط في التنس، بل في الحياة اليومية. مشكلتي، منذ بعض الوقت، انني أعيش أياماً كثيرة مع الأوجاع». وتابع اللاعب الذي أبعدته الاصابات عن 12 بطولة كبرى، آخرها رولان غاروس 2023، وانسحب خلال مشاركته فيها خمس مرات: «أحب ما أقوم به، تمنحني المنافسة لحظات لا تنسى، لكن أيضاً أياماً حزينة».
ومذ كان بعمر الثامنة عشرة، عانى ابن جزيرة مايوركا من تنخر في العظم الزورقي المعروف أيضاً باسم متلازمة «مولر فايس». مرض تنكسي «مزمن وغير قابل للشفاء» بحسب قوله. وتؤثر هذه المتلازمة على العظم الزورقي (نافيكولار بون) الموجود على ظهر القدم، بين الكاحل والعظام الاسفينية. ويشرح دوني مينار رئيس الجمعية الفرنسية لجراحة القدم ورئيس قسم جراحة العظام في مستشفى نانسي: «يتعرّض هذا العظم لضغوط كبيرة، ولأسباب نجهلها يخسر أوعيته الدموية ويتعرّض للنخر». وفي الحالات الأكثر خطورة «ولدى الحالات التي تمارس ضغوطاً كبيرة على أقدامها، سيتفكّك العظم، يتسطّح ويمكن أن يتفتّت، وفي النهاية يمكن أن يتطوّر إلى التهاب المفاصل مع قصر قوس القدم». ويُمكن لمتلازمة «مولر-فايس» أن تؤثر على قدم واحدة، لكن في غالب الأحيان تؤثر على القدمين. وواجه نادال متاعب مع اليسرى. ويصيب هذا المرض عادة النساء والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاماً.
ولم يطّلع البروفسور مينار على ملف اللاعب الإسباني. لكنه يطرح «الفرضية الفكرية» القائلة بامكانية تأثره في طفولته بمرض «كولر-موشي»، وهو مرض نادر لنمو العظم الزورقي يصيب الأطفال دون سن العاشرة، خصوصاً الفتيان الرياضيين ويمكن أن يترك آثاراً. وغالباً ما يصعب تشخيص هذا المرض بداية، لأنه يتطوّر بصمت في مراحله المبكرة. تبدأ الأوجاع عادة في المرحلة الثانية. وفضلاً عن الراحة، يمكن أن تقلل النعال المقوِّمة للعظام من الاجهاد الميكانيكي. لمقاومة الأوجاع، تكمل المسكّنات والارتشاح المشهد العلاجي.
وشرح نادال في أيار/مايو 2022: «أعيش مع طنّ من المسكنات اليومية كي أحصل على فرصة خوض التمارين. غالباً ما لا أستطيع. إذا لم أتناولها فأنا أعرج… من الصعب أن أخوض التمارين لعدة أيام متتالية. كي أكون قادراً على المنافسة على أعلى المستويات، يجب أن أتحرّك جيدا، ولست قادراً على العمل هكذا. أحياناً من الصعب تقبل الموقف». وبعد احرازه لقب رولان غاروس 2022، للمرة الرابعة عشرة في مسيرته، بدأ علاجاً جديداً للتخلص من الآلام. وقال متحدث باسمه انه خضع «للعلاج بالذبذبات الراديوية» في عيادة في برشلونة ما يخدر «الاعصاب في منطقة الاصابة التي يعاني منها». وكشف «الماتادور» أنه اضطر لخوض النهائي أمام النروجي كاسبر رود بقدم مخدرة، لكنه غير مستعد لخوض هذه التجربة المؤلمة مجدداً.

ملك التراب

وُلد رافايل نادال في جزيرة مايوركا الإسبانية المعروفة بشواطئها الرملية، لكن سيظل اسمه مرتبطًا إلى الأبد بأرضية أخرى بصفته «ملك التراب» من دون منازع. وحقّق اللاعب البالغ 36 عاما 14 من ألقابه الـ22 الكبرى على الأرضية الترابية في بطولة فرنسا كرقم قياسي في تاريخ الرياضة. لكنه يخوض حرباً أخيرة، مع إعلانه الخميس الماضي انسحابه من بطولة رولان غاروس لعدم تعافيه من اصابة في وركه، وأن عام 2024 سيكون الأخير له في الملاعب. لياقته، طاقته، قوته الذهنية وضرباته الأمامية الرائعة جعلته أحد أعظم اللاعبين على الإطلاق، على الرغم من احتدام الجدل حول الأفضل في التاريخ. وشكّل الى جانب الصربي نوفاك ديوكوفيتش والسويسري المعتزل روجيه فيدرر ما بات يُعرف بـ«الثلاثة الكبار» لأكثر من عقد.
بدأ نادال ممارسة كرة المضرب في بلدته ماناكور، مركّزاً عليها أكثر من كرة القدم، وأشرف على تدريبه عمّه المؤثر توني نادال بين 2005 و2017 فساهم بتطوير ضربته الأمامية القوية. ويتحدر نادال من عائلة رياضية، إذ لعب عمه الآخر ميغيل أنخيل نادال كرة قدم احترافية مع برشلونة، علما أن رافايل مشجع مخلص للغريم ريال مدريد. وبات لاعبا محترفا في سن الـ14 وخاض أولى مبارياته في ويمبلدون، ثالثة البطولات الاربع الكبرى، عام 2003 عندما كان يبلغ 17 عاما.
وحقق الماتادور لقبه الاول في الغراند سلام في رولان غاروس 2005 واحتفظ به في العام التالي على حساب فيدرر ما شكل بداية لمنافسة مثيرة. وسقط لاحقا في العام نفسه أمام السويسري في نهائي ويمبلدون، ولكنه أثبت رغم الخسارة أنه لم يكن فقط متخصصًا على الاراضي الترابية، بل على أي أرضية. وأضاف لقبين في رولان غاروس أمام المنافس ذاته قبل أن يخسر مجددًا أمام فيدرر في نهائي ويمبلدون 2007. وفي المحاولة الثالثة في لندن، نجح أخيرا في التغلب على المايسترو السويسري في نهائي مثير ومجنون قبل أن يحقق بعد قرابة الشهر ذهبية الفردي في أولمبياد بكين 2008. ورفع الكأس الاولى في أستراليا المفتوحة عام 2009، أمام فيدرر مجددا، منافسه في 7 من أول 8 مباريات نهائية في البطولات الكبرى.
وعام 2010 الذي شهد ربما أفضل مستوياته على الاطلاق، بات نادال أول لاعب يفوز بثلاثة ألقاب كبرى على ثلاث أرضيات مختلفة (رولان غاروس، ويمبلدون والولايات المتحدة). ونجح فقط نادال والامريكي أندري أغاسي في الفوز بجميع بطولات الغراند سلام بالاضافة الى تحقيق ذهبية الفردي في الألعاب الأولمبية. وأنهى الاسباني مسيرته المذهلة بأربعة ألقاب في الولايات المتحدة المفتوحة، اثنين في كل من ويمبلدون وأستراليا المفتوحة، الى جانب الالقاب الـ14 في فرنسا. ورغم إصابات عدة أعاقت مسيرته في الكثير من الاحيان، استمر في التألق وحقق لقبَي أستراليا المفتوحة ورولان غاروس 2022. بلغ في العام ذاته نصف نهائي ويمبلدون قبل أن يضطر للانسحاب قبل نصف النهائي لآلام في البطن.
ويعتبر البعض نادال الأعظم في كل العصور، رغم أن هناك جدلا بشأن هذه المسألة الى جانب منافسه وصديقه الأزلي فيدرر وديوكوفيتش. واعتبرته الروسية ماريا شارابوفا والسويسري ستانيسلاس فافرينكا والبولندية إيغا شفيونتيك، من بين لاعبين آخرين، كالأفضل على الإطلاق. وكان شاغل نادال الرئيسي هو أن يتذكره الناس كرجل ولاعب صالح بدلاً من القلق بشأن مكانه بين عمالقة التنس. ويؤكد: «الإرث المهم هو أن جميع الأشخاص الذين قابلتهم خلال هذه السنوات العشرين لديهم ذاكرة إنسانية طيبة عني». ويتابع: «في نهاية المطاف، تأتي الامور الشخصية والتربية والاحترام والمودة التي تُعامل الناس بها قبل الامور المهنية، لأن هذا هو ما يبقى».